Uncategorizedمقالات

ويبقى الوطن

* *التدخل الدولي الانساني في السودان بين الرفض والقبول*’…

* جزء اول…
*اولا*خلفية تاريخية والمصطلح*
التدخل الانساني في معناه العام هو أحد أشكال التدخل القسري الاجنبي وقد عرفه بروفسور روبرت كولب بأنه (إستخدام للقوة العسكرية من أجل وقف او مقاومة الانتهاكات الجسيمة لمعظم حقوق الانسان الأساسية شريطة ألا يكون الضحايا من رعايا الدولة او الدول التى وافقت على التدخل ولا يوجد تفويض أممي من مجلس الامن ) و يصبح تدخل دولي إنساني قانوني إذا صدر القرار من مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع أو إذا طلبت الدولة المعنية او سلطة الأمر الواقع التدخل .
كما أنه في حالة عدم صدور قرار او موافقة من مجلس الأمن على التدخل وأجمعت عدة دول على مثل هذا القرار وجمعت قواتها العسكرية من أجل التدخل في دولة من الدول يصبح تدخل ( جماعي ) إنساني وهو إجراء قسري وغير قانوني من ناحية القانون الدولي ولكي يصبح قرار التدخل الانساني قانوني لابد ان يحظى بموافقة أحدى الإرادات ، احداها من أسفل وهي موافقة الدولة المعنية التي سيتم إتخاذ إجراءات على أراضيها وواحدة من أعلى وهي موافقة الجهاز المختص في الامم المتحدة وهو مجلس الأمن ، كما ان التدخل الدولي الانساني لابد ان تصحبه صفة التدخل القسري او عبر قوات عسكرية مسلحة .
ولا يفوتنا ان نذكر ان هناك التدخل السلمي وهو الضغط على دولة معينة بوسائل سلمية لإتخاذ تدابير محددة في دولة معينة مرتبطة بإنتهاكات لحقوق الإنسان الاساسية ؛ مثل اتخاذ اجراءات دبلوماسية كتسليم مذكرات دبلوماسية او اتخاذ إجراءات إقتصادية تجاه الدولة المنتهكة لهذه الحقوق او الاحتجاجات السلمية المدنية والشعبية مثل التظاهرات او مقاطعة منتجات وأنشطة الدول المقصودة .
*ثانيا*التجارب التاريخية للتدخل الانساني*
فكرة ومفهوم وممارسة التدخل الدولي الانساني ليست جديدة وتعتبر ممارسة قديمة تاريخيا فقد تدخلت فرنسا وبريطانيا في اليونان عام 1827وبررت الدولتين تدخلهما بأنه من أجل وقف سفك الدماء والأذى من قبل الأتراك وفي 1856كذلك تدخلت فرنسا وبريطانيا في مملكة صقلية وبرر ذلك التدخل بالاعتقالات والمعاملة القاسية والتعسفية المزعومة للسجناء والسياسيين، وفي عام 1860تدخلت بريطانيا وفرنسا والنمسا وبروسيا وروسيا في سوريا بعد مذبحة راح ضحيتها حوالي ستة آلاف من الموارنة المسيحيين من قبل الدروز السوريين، وهكذا تدخل الاوربيون في جزيرة كريت عام 1866والبوسنة عام 1875 وبلغاريا عام 1877ضد الاضطهاد الذي كان يرتكبه الأتراك .
كذلك تدخلت الولايات المتحدة في كوبا عام 1898/99 وقد بررت الولايات المتحدة ذلك التدخل بأسباب إنسانية ، وهكذا اصبحت الشواغل الانسانية أوالتدخل في دول أخرى لأسباب إنسانية جزء لا يتجزأ من الفكر الأوربي او ما يطلق علية في القرن التاسع عشر بالأمم المتحضرة .
ثم استمر الأمر في القرن العشرين حين بررت الهند تدخل قواتها في بنغلاديش عام 1971 جزئيا بأنه لأسباب إنسانية كما بررت تنزانيا غزوها ليوغندا عام 1978/79 بأنه لأسباب إنسانية وتحرير البلاد من الحكم الدكتاتوري لعيدي أمين ، ولنفس السبب بررت فيتنام غزوها لكمبوديا لتحرير الكمبوديين والقضاء عل نظام الخمير الحمر الذي ارتكب مذابح وقتل ما بين 25% إلى 33%من عدد السكان .
وقد تزايدت التدخلات لاسباب إنسانية في تسعينات القرن الماضي وتحت رعاية الامم المتحدة مثل التدخل في الصومال عام 1993وفي تيمور الشرقية عام 1999 وفي نفس العام أتخذ قرار التدخل الدولي الانساني في كوسوفو بواسطة حلف شمال الأطلسي ( الناتو).
وكان التدخل في كوسوفو نقطة تحول كبيرة في مفهوم التدخل الدولي الانساني لعدة اسباب اولها انه اول تدخل في العصر الحديث في دولة ليست من دول العالم الثالث
وثانيا ضغطت الاغلبية من الدول العربية والاسلامية للوقوف مع قرارات التدخل الدولي الانساني خلال المناقشات لاتخاذ القرار ضد مفهوم السيادة والدفاع عنها والاحتجاج بها .
ثالثا كان التفويض والموافقة كبيرة وتم استمالة كفة الميزان لصالح التدخل بعد موافقة الدول العربية والاسلامية عموما وتسبب التضامن الديني العربي الإسلامي مع الكوسوفيين في دعم مفهوم وقرار التدخل الدولي الانساني بشريحة كبيرة من المجتمع الدولي ولاول مرة تتغلب ضرورة أخلاقيات التدخل في العلاقات الدولية على النظريات الفقهية للقانون الدولي .
ثم جاءت تجربة التدخل الدولي الانساني في السودان/دارفور في عام 2007بالبعثة المشتركة من الامم المتحدة والاتحاد الأفريقي حسب قرار مجلس الأمن رقم 1769 ثم التدخل الانساني في ليبيا في فبراير 2011 والذي نفذه حلف شمال الأطلسي الناتو …
*ثالثا إضاءة على الصراع بين مبدأي السيادة الوطنية و مسئولية الحماية داخل الامم المتحدة*
يعتمد الرافضين للتدخل الدولي الانساني بالدفاع عن ذلك بالمبدأ الذي أقره العالم واستقر عليه الفقه القانوني الدولي وهو مبدأ الاختصاص الداخلي او السيادة الوطنية وقد نص على هذا المبدأ في فقرتين من ميثاق الامم المتحدة هما الفقرة الرابعة والسابعة من المادة الثانية ،
وتنص الفقرة الرابعة بأن يمتنع اعضاء الهيئة( الدول ) في علاقاتهم الدولية على التهديد باستعمال القوة واستعمالها ضد سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لأي دولة او على أية وجه آخرها يتفق ومقاصد الامم المتحدة ، ويمثل هذا النص حجر الزاوية في نظام الميثاق.
أما الفقرة السابعة من المادة الثانية من الميثاق فإنها تقضي بأن من المبادئ التي تعمل الامم المتحدة وأعضاؤها وفقا لها عدم التدخل في المسائل المتعلقة بالأختصاص الداخلي ( السيادة) للدول غير أن هذا القيد لا ينطبق عندما يتخذ مجلس الأمن الدولي اجراءات قسرية او قمعية بموجب الفصل السابع من الميثاق .
يحتج المخالفين للرأي كما اوضح استاذنا الدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه في هاتين الفقرتين من المادة الثانية من الميثاق اصبحتا دون تأثير بالاستثناء في البند السابع من الميثاق وبالممارسة للدول القوية او دائمة العضوية في مجلس الأمن ويدلل على ذلك بأن الفقرة الرابعة لم تحمي سيادة العراق مثلا من غزو تحالف ( الراغبين )في 20 مارس 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بدون تفويض من مجلس الأمن، وكان من مبررات ذلك الغزو إستمرار العراق في امتلاك وتصنيع اسلحة الدمار الشامل، كما لم تحمي نفس الفقرة من المادة الثانية من الميثاق السيادة الوطنية لجمهوريةً يوغسلافيا الاتحادية السابقة في مارس 1999عندما شن حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) غارات جوية على صربيا بدون تفويض من مجلس الأمن الدولي بدعوى الحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية في إقليم كوسوفو،
ولاحقاً عندما تمت مناقشة هجمات منظمة الناتو على كوسوفو بدون موافقة مجلس الأمن باعتباره الهيئة المخولة بمنح قرار استخدام القوةً بموجب الميثاق والقانون الدولي ، ذكر المندوب الروسي ان الاستخدام الانفرادي للقوة ضد جمهورية يوغسلافيا الاتحادية السابقة لا يرتكز على الميثاق ولا على اية قواعد معترف بها في القانون الدولي، ووصف المندوب الصيني مسألة كوسوفو بأنها مسألة داخلية وبالتالي يجب تسويتها على اساس احترام سيادة جمهورية يوغسلافية الاتحادية وسلامتها الاقليمية ،
أما دول حلف شمال الأطلسي فقد عبر عنهم المندوب الهولندي ضمن آخرين بقوله ، كان من الأفضل الاستناد إلى قرار محدد من مجلس الامن واذا لم يكن بالامكان إتخاذ قرار التدخل الانساني بسبب التفسير المتصلب لمفهوم الاختصاص الداخلي ( السيادة) او الاعتراض من عضو او عضوين في المجلس فإن بقية الأعضاء لا يمكن أن يبقوا صامتين ونسمح ببساطة بوقوع كارثة إنسانية ، لذلك كان لابد من التصرف وفقا للقانون المتاح وعلى الأساس والإثباتات المتاحة وفي هذه الحالة أكثر من كافية .
ولاحقًا وبتاريخ 15 يونيو 1999 تمت الموافقة على القرار 1244بعد موافقة جمهورية يوغسلافيا الاتحادية ونشر وجود مدني وأمني دوليين في كوسوفو تحت رعاية الأمم المتحدة وقد اعتبر بعض الاعضاء ان هذا القرار بمثابة تصديق وموافقة للناتو بأثر رجعي .
بعض فقهاء القانون الدولي ظلوا يتمترسون من الناحية الفقهية القانونية ويصرون ان التدخل الدولي الانساني لايمكن تبريره من الناحية القانونية بينما يمكن ان يكون مبررا أخلاقيا واعتبروه عمل من أعمال السياسة الاخلاقية خارج نطاق القواعد القانونية إلا أنه جدير بالثناء وذكروا بأنه ولكي يكون مقبولا قانونيا فيجب ممارسته بإسم جميع الإنسانية اي بقرار من جميع الدول باستثناء الدولة المرتكب فيها الجرائم او الضرر.
ويرى بعض فقهاء القانون الدولي و الدبلوماسيين أن مجلس الأمن قد توسع في مفهوم تهديد السلام المنصوص عليه في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة وتدخل المجلس في مسائل كانت تعتبر من صميم الاختصاص الداخلي للدول وسيادتها الوطنية ، كما ان التطور الذي حدث في قانون حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني قد انعكس بشكل واضح على تكييف مجلس الأمن للحروب والصراعات الداخلية كمهددات للسلم والأمن الدوليين ، إذ أصبحت الأزمات الإنسانية وعمليات التشريد الجماعي للسكان تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين. كما ورد في تقرير الامم المتحدة لعام 1994 أنه وفي السياق المتغير لعالم اليوم فإن الأمن لم يعد قاصرا على مسائل السلاح والأرض بل أصبح يشمل الرفاهية الأقتصادية والأستدامة البيئية وحماية حقوق الإنسان.
نواصل…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى